جاء الإسلامُ بنظامٍ اقتصاديٍّ متكامِلٍ، وَضَعَ فيه قواعِدَ مُنضبِطةً لحِفْظِ حُقوقِ النَّاسِ؛ مَنْعًا للغِشِّ والغَرَرِ والخِداعِ في المعامَلاتِ التِّجاريَّةِ والماليَّةِ؛ حتَّى يتسامَحَ النَّاسُ في بَيْعِهم وشِرائِهم، ويَسودَ بينهم العَدْلُ والرَّحمةُ.
وفي هذا الحديثِ يُوضِّحُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أحَدَ أحكامِ البَيعِ والشِّراءِ؛ حيثُ سأله حَكيمُ بنُ حِزامٍ رضِيَ اللهُ عنه، فقال: يا رسولَ اللهِ، يأتيني الرَّجُلُ فيُريدُ منِّي البيعَ ليس عِندي، أَفَأَبْتَاعُه له من السُّوقِ؟ أي: إنَّ حَكيمَ بنَ حِزامٍ كان تاجرًا؛ فيأتيه البائِعُ يطلُبُ منه سِلعةً ليسَتْ موجودةً عِندَه حالَ طلَبِها، فيسأل: هل أَبيعُه السِّلعةَ وهي ليسَتْ عندي، ثمَّ أَبْتاعُها؟ أي: أشتريها من السُّوقِ، ثمَّ أُسَلِّمُها للمُشتري؟ فأجابَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بنَهْيهِ عَنْ ذلك، فقال: «لا تَبِعْ ما ليس عِندَك»، أي: لا تَبِعْ شيئًا ليس في مِلْكِكَ حالَ العَقْدِ، وهذا نَهْيٌ عن بَيْعِ عَيْنِ الشَّيْءِ الذي ليس في المِلْكِ؛ وإنَّما نَهى عن ذلك لأنَّه إذا باعَ ما ليسَ عِندَه، فليسَ هو على ثِقةٍ مِن حُصولِه؛ فقد يَحصُل له وقدْ لا يَحصُل؛ فيكون غررًا، والغررُ كلُّ بيعٍ اشتمَلَ على أيِّ نوعٍ مِن أنواعِ الخِداعِ، أو كان مَجهولًا أو معجوزًا عنه.
*صبحكم الله بكل خير وصحة وسعادة وبركة في العمر والرزق وطاعة وحسن عبادة.*