بقلم الكاتب والروائى والأديب والطبيب /نجيب يونس
• ربما كان المكان الوحيد في الدنيا الذي اهرب من الذهاب اليه ، في داخل شوارعها اشعر بغربة قاتلة وأكاد أصرخ مع وديع الصافي ” دار يا دار فين حبايب الدار ” .. لكن هناك توجد جذوري و رائحة أبي وأمي وأماكن عشت فيها وتركت بصماتها وندباتها وجمالها اللا محدود علي عقلي و وجداني وكأنها لسعات المكواة ..
• أربعون عامًا بعيدًا عن دروبها وأزقتها ورجالها بطبيعتهم الطيبة ودهائهم الموروث وصفاتهم الكثيرة ومنها قبول الظلم وإرتكابه إذا أتُيحت الفرصة .. تري ما سبب هذا الجفاء : هل هي القسوة مني أم الغربة أم الغفلة .. لعلها الأخيرة أو ربما صدمة فقدي لأبي وأمي .. في القرية كل عائلة لها مميزات وصفات خاصة اكتسبوها عبر الزمن وتكاد تكون مسجلة علي الجينات ..
• في الطريق حرصت علي رؤية الغيطان وما بها من مزروعات لقد اشتقت اليها في ضوء القمر ومع لسعات برد الشتاء أو نسمات ليالي الصيف ..
• وصلت الي البيت وهو عبارة عن بيتين كبيرين متقابلين يفصل بينهما شارع صغير ، البيت يحمل بصمات القرن التاسع عشر و أوائل القرن العشرين .. دخلت الي احدهما وجدت كل أبوابه مفتوحه ، تؤدي الي المندرة الواسعة ، وعندما لم اجد أحدآ ذهبت الي البيت الثاني المقابل ، علي عتبة الباب وقفت ولَم استطع الدخول ، منذ اكثر منذ ثلاثين عاما لم ادخله ، تركت فيه جميع اوراقي ومكتبتي ، هنا كانت تقيم أمى ..
• رجعت الي المندرة وجلست ، نظرت الي البلاط القديم حمدت الله ان احدا لم يستبدله .. تأملت الحوائط والابواب ، في مواجهتي علي الحائط توجد لوحة صغيرة تحمل اسم الجلالة ” الله ” ؛ انها لوحتي الخاصة منذ خمسين عامآ ، كنت اضعها علي مكتبي ..
• عندما غادرت المكان حرصت علي النظر إلي واجهة البيوت وأبوابها وكأني ألقي السلام علي أصحابها ، وتأملت تراب الشوارع .. لقد اشتقت إلي أيامي الأولي ..
• في نظرة عامة علي القرية وجدت أن البيوت وقد كانت مبنية بالطوب اللبن اعيد بناءها بالحديد والأسمنت ، كل شئ تغير ماعدا تراب الشوارع ورائحة الأحباب الذين رحلوا .. الأماكن المفتوحة أحاطها أصحابها بأسوار عالية ، لا أدري ما السبب هل الخوف من الآخر ام طلب العزلة .. الأماكن _ ذات _ الأماكن التي عرفتها لم تعد رحبة ولا واسعة كما كنت أراها ربما لغياب أهلها أو تغير الرؤيا والنسبية عندي ..
• في السيارة جاءني صوت فيروز من بعيد تشدو اغنية ” سلملي عليه .. قلو أني بسلم عليه .. وبوسلي عينيه .. وقلو اني ببوس عينيه .. أنت يللي بتفهم عليه .. سلملي عليه سلم .. ”
” يونس نجيب “