منصور نظام الدين: المدينة المنورة :–
خطب وأم المصلين في المسجد النبوي الشريف فضيلة الشيخ الدكتور حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف.
وبعد أن حمد الله تعالى بدأ خطبته قائلًا: إن المسلمين اليوم يمرون بفتن مختلفة المصادر، متعددة الأشكال، فتن تعاظم خطرها، وتطاير شررها، وتنوعت أسبابها ومحالها، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم؛ وإن الركن الشديد الذي يأوي إليه المسلم من ويلات الفتن ومخاطرها، هو الالتجاء إلى خالقه عز وجل، والاعتصام بحبله، وتحقيق طاعته، والتمسك بشريعته سبحانه، قال تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ)، وقال تعالى: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ)؛ ومن هذا المنطلق جاء التوجيه النبوي من النبي صلى الله عليه وسلم، الحريص على نجاة أمته، وصيته الخالدة، بقوله: «العبادة في الهرج كهجرة إلي» رواه مسلم.
والهرج هي أيام الحروب والقتل، وأوقات الخوف والذعر، وحال اختلاط أمور الناس من جميع المحذورات والمحن التي يخافون في جوانب حياتهم، بحيث لا تنتظم أمورهم على أحسن حال، بل يكونون في أمر مريج واضطراب شديد، حينئذ لا نجاة لهم ألا باللجوء إلى ربهم والانقطاع إليه، وقياد أنفسهم وتصرفاتهم وتوجهاتهم بشرعه ووفق أوامره وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم.
وأكمل: هذا المنهج النبوي الذي عظّم شأن العبادة أيام الفتن، لأن الناس يعتريهم أمور بسبب الفتن تقع بينهم من العداوات والظلم والكذب والتخاصم مما هو محرم في دين الله، بل ينشغل كثير منهم عن الثبات على المنهج الحق، فأرشدهم صلى الله عليه وسلم إلى أن الهجرة تبتني على ترك الوطن والدار ورغائبها لله سبحانه، وهكذا الانقطاع للعبادة والالتزام الشامل بها يقود المسلمين إلى كل ما ينجيهم عن الزلل والخطل والزيغ عن الصراط المستقيم والمنهج القويم؛ قال أهل العلم إن الناس في أوقات الفتن يرجعون إلى أهوائهم وآرائهم وأذواقهم بعيداً عن حكم الله وشرعه، فالذي ينتقل من هذه الحال إلى العبادة والإقبال على الله تبارك وتعالى، يكون كالمهاجر
وبيّن فضيلته: وإن الناظر اليوم لعالمنا الإسلامي يجد أنه كلما حلت محنة ووقعت فتنة، فنجد بعضًا منهم يسعى لتفريق صف الأمة، والاتهام لبعض بما لا يستقيم مع المنهج الذي شرعه الله سبحانه من الحرص على الاعتصام بحبل الله، وعدم التفرق والاختلاف، فاتق الله أيها المسلم وإياك أن تكون وأنت لا تدري بوقًا للشيطان، ولسانًا للأعداء، فما خاف الأعداء شيئا مثل اعتصام المسلمين بكتاب ربهم، واتحاد صفهم، وجمع كلمتهم، وتعاونهم على كل بر، وصبرهم على طاعة ربهم، ومنهج دينهم، ومعالجة ما يقع لهم من الفتن والمحن وفق منظور صحيح، واجتهادًا يحيطه الخوف من الله، ومراعاة المسؤولية، وتحقيق مصالح الأمة.
وأوضح: ألا فأشغلوا أنفسكم أيها المسلمون بما يحفظ مصالح دينكم ودنياكم، وأعدوا العدة المستطاعة للحفاظ على ذلك، ومن أعظم ذلك الثبات على شرع الله سبحانه، والسير على ضوء سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وحققوا عبادة التعاون المثمر والأخوة الصافية على الدين والعقيدة والمودة الإسلامية، والولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، قال تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا لَقِيتُمۡ فِئَةٗ فَٱثۡبُتُواْ وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ* وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَنَٰزَعُواْ فَتَفۡشَلُواْ وَتَذۡهَبَ رِيحُكُمۡۖ وَٱصۡبِرُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ)؛ وقال صلى الله عليه وسلم: (بَادِرُوا بالأعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا)؛ فجاهدوا أيها المسلمون كل الفتن بالطاعة الخالصة لله والالتزام بهذه التوجيهات الربانية تسلموا من غوائل الفتن، وعواصف المحن، لاسيما في مثل هذه الأزمان، التي يسعى الأعداء بكل مكر للإضرار بالإسلام والمسلمين بشتى أنواع الإفساد وأسباب الشرور، ولا مخرج من ذلك إلا هجرة المسلمين من المعاصي إلى الطاعات، والبعد عن المنهيات، فلا هداية لعزة ونصر وتمكين واستقرار وأمن وأمان، إلا بتمسك المسلمين بدينهم وتحكيم شريعة ربهم، قال تعالى: (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ).
واختتم فضيلته الخطبة بقوله: المخرج من كل فتنة هي في إصلاح الدنيا بالدين، وعمارة الأرض بشرع رب العالمين، ومن أحاط حياته بتقوى ربه جعل له من كل ضيق مخرجًا، ومن كل بلية وفتنة عافية وعاقبة حسنة
التالي
منذ أسبوع واحد
ختام فعاليات المؤتمر العربي “معاً ضد التنمر” بكلية طب الإسكندرية
منذ أسبوع واحد
معًا ضد التنمر
منذ أسبوعين
بالصور عبد الواحد يشارك المؤتمر الدولي العاشر” الذكاء الاصطناعي ومنظومة التربية : الطموحات والمخاطر”
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!