د. غسان صالح عبدالله
تميزت سورية منذ تكوينها بخصائص وصفات خصها الله بها دون غيرها..وهذا الأمر لم يكن مصادفة . لأنه لاشيء في هذا الكون يجري مصادفة؛ ولكن بسبب عجزنا . عن تفسير هذه الظاهرة او تلك نقول” مصادفة”..
وتأتي الأحداث فيما بعد لتفسر ظاهرة التميز التي انفردت بها سورية دون غيرها..وهنا لا بد
ان نبدأ بالجغرافيا اولا:
سورية تلك البقعة الجغرافية التي تمتد من شرق المتوسط غربا وحتى جبال زاغروس شرقا . ومن جبال طوروس شمالا حتى حدود شبه الجزيرة العربية وسيناء جنوبا . وهي تضم بلاد الشام والرافدين وقبرص والكويت والأجزاء التي ما تزال تركيا تحتلها . من سورية وهي تعادل مساحة سورية..
هذه الجوهرة الفريدة من نوعها ” خلقت كذلك” لتشهد بداية الخلق على سطح هذا الكوكب وكانت البداية من أمنا حواء وأبونا آدم لتنحدر منهما أفضل وأرقى السلالات . في التاريخ ؛ بدأ من سيدنا إبراهيم ع الذي ولد وعاش في بلاد الرافدين . وهو يعتبر من اجداد العرب القدماء..وحاول البعض أن يسرق من
العرب هذا النسب الشريف الطاهر . فكانت معركة تزوير التاريخ ليقلبوا الحقائق ويثبتوا للعالم بأن العرب دخلاء على هذه المنطقة . وسبقتهم أقوام اخرى وهي الأحق بها من العرب . ولم يكن بالإمكان الوصول إلى هذه النتائج لولا شدة الجهل . التي سيطرت على غالبية العرب فكان شاعرنا الزهراوي محقا في وصفه للحالة التي وصلت إليها أمتنا عندما قال:
لاشيء في الشرق أعلى منك منزلة
ياجهل حسبك هذا المجد من حسب
وبتأثير التضليل الإعلامي الكبير عبر التاريخ انقلبت الكثير من المفاهيم وتم غرسها في أعماقنا . دون تقديم الدليل والبرهان..ولم يكن بالإمكان قبولها لولا ضعف المحاكمة العقلية لدى غالبية العرب
ونذكر على سبيل المثال اسم ” ساره . هو يهودي وليس عربي وهؤلاء الناس هم الذين قال فيهم سيدنا محمد ص ” لايعلمون ولا يتعلمون . ولو حاول هؤلاء أن يقراوا مقدمات بسيطة في التاريخ لتوضحت لديهم الحقيقة ..سارة هي زوج سيدنا إبراهيم الخليل ع الذي ولد وعاش في اول القرن التاسع عشر قبل الميلاد..ولم يكن في هذا العالم يهود أو ديانة يهودية..وأول ما ظهرت الديانة اليهودية . في القرن الثالث عشر قبل الميلاد وهو زمن ظهور سيدنا موسى عليه السلام ..والمسافة الزمنية التي تفصل بين سيدنا إبراهيم وسيدنا موسى تزيد عن ستة قرون ؛ فكيف تكون سارة بهوديه؟؟
ومن حاول أن يعيد نسبه إلى ساره هم اليهود لكي يثبتوا للعالم أن جذورهم التاريخية تعود إلى سيدنا إبراهيم عليه السلام.
والتوراة تقول بأن العرب أولاد هاجر ” الجارية” بينما اليهود هم أولاد سارة” السيدة” والحقيقة أن اليهود لا علاقة لهم بالسيدة هاجر ولا بالسيدة سارة.
وتم تكذيبهم في القرآن الكريم ” يا أهل الكتاب لما تحاجون في إبراهيم وما انزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده افلا تعقلون” وسيدنا موسى كما تشير المصادر التاريخية كان قائدا عسكريا في بلاط فرعون..
ومعظم انصاره من بقايا الهكسوس السوريين الذين استولوا على مصر في مرحلة تاريخية ؛ وحاول الخروج بأنصاره من مصر باتجاه فلسطين ..إلا أن مسيرته توقفت في سيناء على حد قول التوراة[ عندما خرج يوشع بن نون وموسى إلى الجبل فعاد يوشع بمفرده] فسألوه أين
موسى اجابهم: امرني الرب بقتله. وقد وصلت ادعاءات اليهود إلى حد اعتبار سيدنا إبراهيم يهوديا حتى جاءهم التكذيب الثاني في القرآن الكريم” ماكان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما” ومعروف ان سيدنا إبراهيم هاجر إلى الجزيرة العربية مع ولده إسماعيل وبنى الكعبة الشريفة التي تعتبر قبلة المسلمين في العالم.
وكانت القبائل والعشائر العربية متداخلة مع بعضها البعض من حيث الحسب والنسب؛ وكانت مسألة النسب في غاية الأهمية بالنسبة للعرب.. وكل قبيلة او عشيرة لديها شجرة نسب تعود إلى قرون مضت..ومن جملة هذه الانسان ان نسب سيدنا محمد ص يعود إلى سيدنا إبراهيم ع ويعتبر من اجداد العرب القدماء.
وبقيت بلاد الشام والرافدين مركز الاستقطاب الرئيسي وقطب الرحى في قيادة العرب بمختلف فئاتهم وأجناسهم ..فكانت بابل عاصة البابليين والآشور والكلدان والسريان لفترة طويلة من الزمن ..انتقل مركز الثقل بعد ذلك إلى تدمر..وقبيل ظهور الإسلام بفترة وجيزة كانت مملكة كليب وشقيقه الزير سالم
التي ضمت بلاد الشام والرافدين ..وعند ظهور الدعوة الإسلامية (كان بني ربيعة التغلبيين في طليعة المؤيدين . والمناصرين للدعوة المحمدية..وعلى الرغم من ان مركز الدعوة الإسلامية . كان في مكة والمدينة . ولكن سرعان ما عادت الأرض لتتوازن من جديد فانتقلت العاصمة إلى الكوفة . واصبحت عاصمة الخلافة الإسلامية..ومن ثم انتقلت إلى دمشق عاصمة الأمويين..وفيما بعد إلى بغداد عاصة العباسيين . وحلب عاصمة الدولة الحمدانية ..هكذا تقول الجغرافية السياسية..
موضع سورية بالنسبة للعرب جميعا كموضع الرأس للجسد ..وهي اقدم حضارة في التاريخ تمتد ل ٦٠ الف عام قبل الميلاد ..
يقول عالم الآثار الإيطالي ومدير متحف اللوفر{ كل إنسان متمدن في الدنيا له وطنان سورية والبلد الذي يعيش فيه}.
هكذا كانت سورية عبر كل العصور ” ملكة جمال الكون” والأمر الطبيعي أن تنجذب إليها عيون الحاسدين . وقوى الشر من كل حدب وصوب ؛ فكيف نحمي ونصون هذا الجمال ..كما قال الشاعر:
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى
حتى يراق على جوانبه الدم
سورية أم الأبجدية وفضلها على العالم كله بأنها صدرت ابجديتها إليها..
فلا عجب أن يقاتل السوريون بكل ما يملكون لحماية بلدهم وحضارتهم وتاريخهم.. شعارهم
” فما ينجوا من الموت من يخافه؛ ولا يعطي البقاء من احبه”
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
التالي
6 أكتوبر، 2024
ذكرى الحرب والنصر
4 سبتمبر، 2024
صادق إسبر يطلق “مزايا” في الطبيعة
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!