علم من أعلام التصوف والحب الإلهي العابده الناسكة (رابعة العدوية)
علم من أعلام التصوف والحب الإلهي العابده الناسكة (رابعة العدوية)
كتب/ محمد احمد محمود غالى
رابعة العدوية هي رابعة بنت إسماعيل العدوية البصرية، الملقبة بشهيدة العشق الالهي وتكنى «أم الخير». وهي من عشيرة القيسيون ومنهم رياح القيسي وحيان القيسي وهم من نسبها إليهم الجاحظ والذين كان لهم دوراً هاماً في حياتها. ولدت رابعة في مدينة البصرة عام (١٠٠هـ / ٧١٧م)، وكان أبوها عابدا فقيرا، وكانت رابعة هي البنت «الرابعة» له وهذا يفسر سبب تسميتها. نشأت يتيمة بعد موت أبيها ثم أمها وهي دون العاشرة، وكانت البصرة تعانى من الجوع وانتشار الأمراض فى ذلك الزمان. تفرقت السبل برابعة وبشقيقاتها الثلاث بعد ذلك فصارت وحيدة، يقول البعض إن أحد اللصوص خطفها وباعها بستة دراهم. ذات يوم ذهبت لقضاء حاجة لسيدها، فإذا بأحدهم يتبعها بنظرات تبطن الشر، ففزعت فزعا شديدا واختبأت ثم أخذت تناجى ربها أن يحفظها بحفظه فنجاها الله وسلمت منه. وبعدما نجاها الله سبحانه وتعالى، ظلت رابعة العدوية تذكر هذا الموقف، الذى أثر كثيرا في حياتها، وبعدما نالت حريتها، تفرغت تماما للعبادة، فحفظت القرآن و الأحاديث النبوية و واظبت على الصلاه فكان هدفها الوحيد هو حب الله عز و جل. كانت رابعة شاعرة متصوفة، لا ترى إلا الله فكل ما عداه باطل، واعتذرت عن الزواج لأنه اذا كان ضروريا لمن له الخيار، فهي فى نفسها لا خيار لها، لأنها لربها وفى ظل أوامره، تهيم فى حبه وعشقه. إستطاعت رابعة العدوية أن تصنع اسما كبيرا فى التراث الإسلامى وخاصة فى التصوف، إذ صارت رمزا على التفانى الكامل فى المعية مع الله، ورمزا على العشق والمحبة الإلهية. وإذا ذكر اسمها انصرفت العقول والقلوب والأرواح الى الزهد والمحبة والتقرب الى الله. نقل عن رابعة العدوية كلام فى الزهد والحكمة يؤثر على الروح والعقل والقلب، مثل قولها لسفيان الثوري : «إنما أنت أيام معدودة فإذا ذهب يوم ذهب بعضك ، يوشك إذا ذهب البعض أن يذهب الكل وأنت تعلم ، فاعمل»
ومثل قولها أيضا : «أستغفر الله من قلة صدقي في قولي: أستغفر الله».
قدمت رابعة العدوية كثير من
الأشعار الخالدة التي تتوارثها
الاجيال حتى الآن، وجميع هذه الأشعار في حب الله عز وجل فقلبها و جميع اشعارها كانت خالصة في حب الله، و كانت تتمنى أن يحب جميع الناس الله عز وجل مثلما تحبه، فهو أولى بالحب من اي بشر.
من أشعار السيدة رابعة العدوية :
{أحبك حبين: حب الهوى
وحبّا لأنك أهل لذاكا**
فأما الذي هو حبّ الهوى
فذكرُ شُغلت به عن سواكا**
وأما الذي أنت أهلُ له
فكشفُك الحُجب حتى أراكا**
فما الحمدُ في ذا ولا ذاك لي
ولكن لك الحمد في ذا وذاكا**}
ومن أشعارها أيضا :
{يَا سُرُوري و مُنْيتي وعِمادي
كَمْ بَدَتْ مِنَّةٌ وكَمْ لَكَ عندي**
أنت روح الفُؤاد وأنت رَجائي
أنتَ لَوْلاك يا حـياتي وَأُنسي**
ليس لي عَنْك ما حَييتُ بَرَاحٌ
إنْ تَكُـْن راضياً عَلَيَّ فإنِّي**
وأنيسي وعـُدَّتي ومُرادي
من عَطَـاءٍ ونِعْـَمٍة وأَيَادِي**
أنت لي مُؤْنسٌ وشوقُك زَادي
وَجَلاءٌ لِعَيْـنِ قلبِي الصَّادِي**
أنـت مِنِّي مُمَكَّنٌ فِي السَّوَادِ
يا مُنَى القلـبِ قَدْ بَدَا إِسْعَـادِي**}.
توفيت رابعة العدوية رضي الله عنها عام ١٨٠هـ أو ١٨٥هـ ، قيل أن قبرها بظاهر القدس على رأس جبل يسمى الطور، غير أن ياقوت الحموي فى كتابه «معجم البلدان» قرر أن قبر رابعة العدوية فى البصرة، فهي لم ترحل أبدا إلى الشام لتموت هناك وتدفن بالقدس، أما القبر الذى بالقدس فهو لرابعة زوجة أحمد بن أبي الحواري (وقد إشتبه على الناس ذلك). رحم الله رابعة العدوية ورضي الله عنها وأرضاها.