بقلم / حاتم الغيطاني … مصر
قصةقصيرة رمزية
كانت هناك بركة تحوي ماء آسنا يعيش فيها أسماك القراميط السوداء ذات الزعانف السوداء
وهي سعيدة بهذه البيئة؛ ففلسفتها في الحياة هكذا، ولا ترى نفسها إلا كنفسها… وهي لا تعرف المرايا
ولم تنظر في مرآة من البداية إلى النهاية ؛ فتكاثرت وزادت و تمادت .
.. وبعيدا عن البركة كان هناك غدير يعيش فيه أسماك البياض بلونها الأبيض الناصع وزعانفها . الوردية الفسفورية .. وقد تكاثرت، وزادت في الغدير؛ فهذه بيئتها التي تسعد بها…
وفي يوم حدث زلزال أحدث بين الغدير. والبركة قناة صغيرة… وماء الغدير ظل كما هو على حاله، وماء البركة ظل كما هو على حاله…
بعض من القراميط بدأ يتسلل إلى ماء الغدير؛ ليعيش فيه بين البياض، وليته يتبيض .. لكن الماء النظيف، والطعام الطاهر وسط السمك البياض لم يكن مناسبا لها . فغادر القراميط الغدير دون تردد؛ لأن القرموط الذي اعتاد على ماء البرك . وطعام البرك لا يمكن له أن يتبيض كما تبيض البياض.. بل هو ينظر إلى البياض في طعامه ومائه . وجلده الأبيض، وزعانفه الوردية الفوسفورية .
نظرة السخرية، لأن البياض في نظرها أحمق غبي… ودون تردد عادت القراميط إلى البركة فَرِحة نَشِطة وهي تظن أنها تعلمت درسا من الحياة، وقد عادت لتنقل تجربتها لأمثالها؛ ليتعلموا، ويتفقهوا، ويحذروا.. وقد عاشوا معجبين بقولهم، واطمأنوا بأنهم يحسنون صنعا..
وبعض البياض قد استطاع أن يتسلل إلى ماء البركة؛ ليعيش فيه مع القراميط، ولكن السمك البياض الذي اعتاد على ماء الغدير الطاهر، وطعام الغدير الطيب.. كم كان حزينا نادما! عندما رأى صورة نفسه في المرآة ليست كنفسه – وهو دائما ينظر في المرآة – ليتأكد أن نفسه مازالت كنفسه.. فوجد البياض نفسه وسط القراميط وحوله ماء البركة الأسود الآسن ، وطعامه الخبيث… وقد أخذ جلده يميل إلى السواد، وقد تعلق في زعانفه الوردية بعض من خبائث ماء المصارف؛ فنال من نفسه الملامة،
وآثر السلامة، وعاد من رحلة الندامة.. ثم تشبث بغديره غدير سمك البياض؛ لأن البياض لم يكن ليتقرمط كما تقرمط القراميط ، ولن يتقرمط ؛ فجلده الأبيض، وزعانفه الوردية الفوسفورية لا تعرف البرك ؛ فَشَرَى نَفْسَه، ورَمَطَها، وحَرَّمَ عليها القَرْمَطَة.
التالي
23 أغسطس، 2024
هو انا ها اضرب الارض تطلع بطيخ
2 أبريل، 2024
بطلي المقنع والالماظة الزرقاء
19 أكتوبر، 2023
تبدل ارواح
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!