* * قَوْصَرَّة عمي/ فوزي * *

بقلم / حاتم الغيطاني.

مصر

شعرت بالجوع فخرجت للبحث عن طعام خارج أسوار المدرسة فلم أجد إلا أرضا زراعية،

أما البيوت والمحلات فهي بعيدة جدا عن المدرسة…

عدت إلى المدرسة ثم طلبت من عمي / فوزي حارس المدرسة أن يشتري لي طعاما أي طعام؛

لأقيم به صُلْبي، ويدفأ جسدي والجو بارد..فسكتَ الرجل هُنَيْهَة مطرقا واجما،

ثم أجلسني مكانه… أعطيته مالا؛

ليشتري الطعام فأخذهوأنا أرى من عينيه وإيماءات وجه أنه يفكر في أمر ما وهو ينظر إليّ مرة ثم إلى المال مرة أخرى..

بعد نصف ساعة لمحت عمي/ فوزي معه ( قَوْصَرَّة ) جميلة يتدلى من جانبها نبات ذات أوراق خضراء..

اقترب مني وأخرج منها بيضتين بلديتين وطبقا من الجبن الفلاحي عليها قطعة من القشدة، وطبقا آخر من جبن الزلع القديم، و بعض الجرير الطازج ،

وبضع تمرات، وكيسا به خبز فلاحي- وما أدراك ما الخبز الفلاحي –

ولاسيما عندما تخرج منه رائحة الفرن متشعشعة برائحة نيران الحطب…

نزلت على الطعام وكأنني ما رأيت طعاما من قبل..فالرائحة، والطعم ،وبرد الشتاء القارس، والإجهاد، ولين عمي / فوزي،

وابتسامته النابعة من القلب دفعني إلى الطعام ناهما ولم يتبقَ إلا الأطباق فارغة تماما ليس فيها إلا نوى التمر،

ثم قدم لي كوبا من الشاي الدافئ أعده على نار الحطب…

وبينما أرتشف الشاي وضع عمي/ فوزي في جيب قميصي شيئا أمسكت به فإذا هو المال الذي أعطيته إياه لشراء الطعام رده إليّ كاملا؛ فتعجبتُ بعيني،

فترجم الرجل نظرتي سريعا،

وقال لي قبل أن أنطق بإشارات من يده الخَشِنَة السَمِحَة..

إشارات تتناغم مع إيقاعات كلماته البسيطة العذبة : ( الأكل ده من بيييتي وإنت ضيييفي،

معلش يابني أكلة بسيطة على قد الحال..أصل أنا عندي جاموسة واحدة..بنحلبها لأكل البيت،

و لو عندي غيرها لدبحتلك وطبختلك الحلو كله…

إياك تفكر تعطيني فلوس أزعل منك أقوي…عيييب أقوى يابني…

إذا كان بعض الأغنياء بخلاء فمعظم الفقراء بكرمهم أغنى الأغنياء،

وكلنا على باب الله.متزعلش من زمايلك يابني يمكن ما خدوش بلهم وإنت بتصلي الظهر..

عموما بالهنا والشفا إنت زي ابني ولا أنا مش قد المقام).

كلمات الرجل اتسع لها وتين قلبي منتفضًا بالدماء الصافية ،

وعزف قلبي بلحن الحب على نياطه..وقلت بنغمات قلبي السعيد لا بلساني داعيا له :” سَتَركَ اللهُ ياعمي/ فوزي كما سترتني.