د/ غسان صالح عبدالله
أن المكتشفات الأثرية ما تزال تؤكد يوما بعد يوم أن تاريخنا هو تاريخ التمدن البشري
على هذا الكوكب وثبت بما لا يقبل مجالا للشك بأن إنساننا السوري هو أول من عرف البستنة والزراعة
وبنى المدن وشيد القلاع والحصون وأول من عرف المعادن وأتقن فن التعدين واسس علوم الطب والفلك والحساب والهندسة والجبر والمساحة
ووضع المقاييس والمكاييل والموازين وأول من كشف كروية الأرض والنظام الستيني ونظام الوقت وصنع السفن
ودار حول رأس الرجاء الصالح وبلغ الشواطيء الأمريكية منذ الألف الأول والثاني قبل الميلاد وأول من ابتدع عقيدة الخصب وأول من عرف الكتابة الأبجدية ووضع التشريعات..
إن الإنجازات الثقافية والعلمية والفكرية هي في المحصلة نتيجة لجهود الإنسانية كلها عبر تاريخها الطويل؛ ولكن هذه الإنجازات تم تجريدها من القيم الإنسانية النبيلة فصارت في حد ذاتها تشكل أكبر تهديد للحضارة البشرية ؛
وإن القوة المادية البحتة أخذت تجسد في حركتها على أرض الواقع العالمي ملامح الغول الذي يدوس ويدمر في طريقه كل ما حققته الإنسانية في كفاحها الطويل من صروح للعدالة والمحبة والسلام ؛
وقد أحال التعصب بين البشر الإنسانية إلى سراديب ومتاهات مظلمة تختبئ في منعطفاتها المصطنعة أخطارا حقيقية تهدد الوجود الإنساني كله بشرا وحضارة ،وهذا الواقع الذي تبدى اليوم على هذا النحو لم يبرز فجأة ،
ولم يكن ظهوره محض صدفة طارئةوإنما هو محصلة لكثير من العوامل التاريخية الطويلة الفكرية والثقافية والتربوية والدينية التي فعلت فعلها أخيرا وأدت إلى هذه النتيجة في الوقت الذي غابت فيه المؤسسات القائمة على رعاية وتوجيه الفكر والثقافية والتربية والدين والتزوير للتاريخ عموما.
وأمام ما يحصل في أمتنا عمونا من إجرام وتدمير وقتل لمكونات الحياة يجب علينا تقديم كل ما نملك من فكر وعلوم وثقافة والسعي إلى تحقيق مباديء الخير والحق والجمال ليتواءم علمنا مع عملنا وإبعاد المهزومين والظلاميين والتكفيريين لنخلق واقعا نهضويا يشمل المجتمع كله.وتأسيس مجتمع نيّر يرقى إلى مستوى طموحاتنا وأمانينا .ويجب علينا أن نكون جديرين ممن شرفهم انتماؤهم إلى هذه الأرض المباركة..
فكلما كنا واعين ومدركين لماهية المهمة الملقاة على عاتقنا كلما استطعنا أن نفعل بالناس فعلها الصحيح ونستطيع أن نصنع أنا الإنسان) إنسان المستقبل بعيدا عن الطائفية والعصبية الجاهلية ونحقق الأنا الجامعة ونعيش بأمن ووئام واخوة وسلام..
أما نظرتنا إلى العلمانية وفصل” الدين عن الدولة:
لقد استندت أوروبا وغيرها من الدول المتقدمة إلى فصل الدين عن السياسة وبنت حياتها على اساس العلم والعقل والمعرفة فتقدمت تقدما كبيرا لم تكن لتستطع بلوغه لو خلت لحكم رجال الدين والمفاهيم الدينية .
والدولة المدنية التي نأمل هي الدولة التي تحترم الأديان ولكنها تفصل السياسة عن الأديان لحفظ مصلحة الدولة والشعب والأمن والأستقرار ولحفظ مكانة الدين ونزاهته.
إن فصل الدين عن الدولة لا يعني إلغاء الدين ؛ وإزالة الحواجز النفسية والشرائعية من داخل المجتمع تعني بشكل واضح ومحدد بناء المجتمع الواحد المتماسك المتعاون المتصاهر والمنصهر ؛ بدل مجتمع الطوائف والمذاهب الذي تفصله عن بعضه البعض دوائر مغلقة من المفاهيم والشرائع والممارسات وتجعله جاهزا للحرب الاهلية بشكل دائم..كما حدث ويحدث الآن في بلدنا ..
لذلك نريد فصل الدين عن السياسة وليس فصل الإنسان عن دينه ونترك لكل فرد حرية الإعتقاد بامور الدين ..لكننا نريد أن نوحد النظرة إلى شؤون الوجود الإجتماعي والسيادة والحرية وبقية الشؤون التي تتعلق بحياة الأمة وتقدمها وحفظ وجودها وترقية هذا الوجود.
يجب ان نطلق العقل من قيوده وأن نقيم الحدود الواضحة بين أمور الدين والسماء والآخرة والماورائيات.. وأمور الدنيا والسياسة والدولة والاقتصاد والأمن والمجتمع والعلوم.
إن أوربا لم تتقدم في مجالات الصناعة والعلوم والقوة العسكرية لو لم يتحرر فيها العقل ؛ وأصبحت قوة عظمى ..كذلك الأمر بالنسبة لأمريكا التي تفوقت على أوروبا وعلى مجمل دول العالم بفضل اعتماد العقل والعلم في إدارة شؤونها السياسية والإقتصادية وفي كل المجالات..
فهل نستطع نحن هذه المجموعة التي تتمتع بمزايا إنسانية عالية وفكر راق وعقول مبدعة
أن نخرج من انانيتنا ونقدم علينا الشباب ونعلمهم ونعطيهم رحيق ما جنيناه في هذه الحياة وننير لهم دروب الخير والحق والجمال ونقف خلفهم بدلا من وقوفنا امامهم ومنعهم من التقدم والإزدهار..
هل نحاول أن نفتح منبرا للحوار معهم لنرى ما يريدون هم أولا ثم نقدم لهم النصح إذا كان لديهم عثرات..
أيها الأخوة أن الأمة تغرق بالفساد والإهمال..بالفساد الإداري والسياسي والإقتصادي والإجتماعي وكل المجالات ونحن مازلنا نتسابق لتقرأ بعض من ابيات الشعر او مقال نثري نتشاوف فيه على بعضنا..
كفانا أيها الاخوة ..الشباب هم ابناءكم وهم سياج الوطن وعماده..ابعدوهم عن الأنا وعلموهم قبول الآخر ..وانزعوا العصبية الجاهلية من قلوبهم..
بذلك نستحق أن نكون قناديل
محبة تضيء الطريق لمن يريد أن يسمو بقيم الحق والخير والجمال..
التالي
12 مارس، 2024
اخصائية: الصوم بريء من شجار النهار والأفعال العصبية
30 ديسمبر، 2023
حصري لروتانا نيوز قصة الشاب علي عفيفي اللص التائب
26 نوفمبر، 2023
فى حوار صحفى مع مدير مركز ابو سيفين بشبرا:
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!