ينتظر الفرنسيين بشكل جَماعي المَوعد الأهم في حياتهم، للإستغلاله في إعادة ترتيب أساسيات العلاقة الكبيرة والمتطورة جِداً بين الحَاكم المُنتخب “الرئيس” والحَاكم النَاخِب “الشَعب” وإلى جانب هكذا إنتظار ينتشر في فرنسا وخارجها الكثير من المُتربصين بمصير فرنسا أرضاً وشعباً ودولة . وهَاؤلائي المُتربصون يَسعون إلى مَواصلة إفساد ذات البين بين السُترات بمختلف ألوانها والسُلطات بجميع أصنافها في فرنسا .
لا نزال نذكر كيف كانت الأزمة كبيرة بين الشعب الفرنسي والحكومة في زمن الرئيس فرنسوا هولاند ،آن ذاك طغت على العلاقة الفرنسية الفرنسية سياسة الموت للعصيان المدني . وكان هذا شعار الدولة الذي قابله الشعب بشعارات الموت للعصيان الحكومي . وصمدت السلطة في وجه الشعب . فلم ترضخ له ، وإشتعلت نيران الأزمة حتى شلت حركة الكثير من المجالات في فرنسا . وعمت الإضرابات عموم البلاد . كان من أبرزها وأكثرها تأثيراً إضراب قطاع النفط سيما على مستوى مصافي فرنسا الثمانية التي توقف فيها تكرير النفط .
ولم تتنفس فرنسا من أزمة 2016 م حتى حان موعد نهائيات كأس أوروبا للآمم . التي أقيمت فيها وعلى أراضيها ،رغم تلك الظروف الصعبة. وتغيرت الأنظار والإهتمامات والمهام والسياسات إلى مدرجات الملاعب الفرنسية ،فهدأ الشارع بإشتعال الملاعب حماساً . وراحة فرنسا تتنفس الهدوء وتستنشق أريج الكرة ، حتى تشائمت مُجدداً عندما هزم منتخبها أمام البُرتغال .
ومُنذُ تلك الأيام السوداء ولغة الحُرية في فرنسا مفقودة ، وبصمات الفاعلين المتربصين بأمن فرنسا ووحدة شعبها أيضاً ليست موجودة كما كانت تتوفر في السابق . عندما كان الخلاف الفرنسي لا يُفسد للود قضية . وكان الجاني بالضرورة ليس فرنسياً ، لآن تهمة المجرم والإرهابي ليست ذات ملامح فرنسية أبداً وعلى الإطلاق.واليوم تشقلب ذاك التقنين وأصبح الواقع الفرنسي معروفاً عليه أنه واقع يُكرَهُ فيه من يُفسد للخلافِ قضية. وإنتشرت الخلافات في بلد طالما صمد صامةً ، مقابل سلامة الرأس الفرنسي المُوحد الذي لا يُبالي إذا كانت النار لا تطالهُ .
وبدأت بعد تلك الفترة من عهد هولاند الدامي ، بدأت عهدة ماكرون الدامية . ((أيام نحسات فرنسية فرنسية)) ثار ضدها الفرنسيون بالحجة الصفراء . وكانت تلك الثورة قوة كبيرة على متن سيارة الأجرة الفرنسية . ولا ننسى أنها كانت شعبية منظمة لما شاء الله من أسابيعه أن تثور ضد الشاب ماكرون . ولا ننسى أيضاً أن زعيمة المتطرفين ماري لوبان لم تساعد ذاك التمرد مباشرة ، لإكتفائها بالحياد مع إجهارها بكلمة لا للرئيس .
اليوم تجهز فرنسا لخوذ إنتخابات إستعادة الإليزي من ماكرون . وهذا رُبما ما يَرفضه ماكرون مستخدما وزير داخليته . الذي سمح لنفسه بالتصريح ضد المُرشحة الأقوى للفوز بمنصب الرئيسة في فرنسا . وقال وزير ماكرون لصالح مَاكرون: ((تعتبر زعيمة حِزب التجمع الوطني، مارين لوبان، أخطر شخص على فرنسا ، وفقما صرح به وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمانين . الذي إعتبر مجرد فرضية وصولها إلى السلطة في مثابت الخطر الذي سيزرع التفرقة والحرب الأهلية بفرنسا.))
وتناقلت وسائل إعلام عناوين أخبار في هذا الشأن منها ((وزير الداخلية الفرنسي: مارين لوبان أخطر شخص على البلاد ووصولها للسلطة سيؤدي إلى حرب أهلية ))
وهذا أيضا نفس الي حدث بالعناوين بعد تصريحاتها عن إجراءات بحق الجزائر.. ((مارين لوبان تكشف تفاصيل مشروعها بشأن ملف الهجرة في فرنسا))
وتلام لوبان أيضاً عن تدخلها في الحلف الأطلسي ، لآنها تدعو إلى إعادة توجيه الناتو لمحاربة المتطرفين الإسلاميين.
لذا يسعى وزير الداخلية الفرنسي لنزع سلاح لوبان كمعارضة قوية للرئيس ماكرون ، ثم إستخدام سلاحها المتمثل في توجيه التهم للرئيس وتحميله مسؤولية تفشي التفرقة والعنصرية والجريمة في أوساط الفرنسيين . وفي هذا السياق أوضح الوزير ،جيرالد دارمانين في مقابلته الصحفية مع صحيفة “لوجورنال دو ديمانش” أوضح مناورته للوبان فقال مستخدماً سلاحها ((إن لوبان عندما تقول إنها ستجبر القضاة على إتخاذ عقوبات جنائية إلزامية، فهذا ليس ممكنا دستوريا، وسيكون ذلك بمثابة إنهاء لمبدأ أساسي وهو فصل السلطات. فهي عندما تتحدث عن صفر هجرة، فهذا ليس ممكنا تقنياً، ولا مرغوباً فيه لمستقبل الأمة. إذا تقلدت السيدة لوبان المسؤوليات، فسيكون ذلك يعني التفرقة الوطنية، ثم الحرب الأهلية))
وإنتهز الوزيرالفرصة وإستغل المُقابلة الصُحفية التي أجريت معهُ ونشرت اليوم الأحد 23/01/2022 ، وركز في معرض جوابه عن السؤال الخاص بمقترحات المرشح اليمني أيضاً، السيد فاليري بيكريس، فيما يتعلق بالمراقبة بالفيديو، وقال جيرالد دارمانين ((الموضوع ليس فاليري بيكريس، ولكن مارين لوبان، التي تسعى أكثر للوصول للجولة الثانية (من الإنتخابات الرئاسية)
الخلاصة: النتيجة التي تقاد فرنسا لتحقيقها في ملاعب السياسة هي حتماً بخسائر أكبر من تلك المحققة في عهدي هولاند وعهدة ماكرون المنتهية . ولا تزال فرنسا ترضخ لكل المُخططات وهذا أمر غريب، لآنه لا يعقل أن تخدع فرنسا وتتفتت وحدتها الوطنية . ولا تفهم هذه المهزلة إلا على أساس أنها صراع داخلي فرنسي وتصفية حسابات الفرنسي مع الفرنسي بالفرنسية .