مقالات
الحياة شركة
بقلم : على امبابى
لو افترضنا نظريا أن هناك شركة كانت قوية وغنية، ونتيجة لترامى أنشطتها
تفرق مالها بين الإدارات وفلتت بعض أراضيها من قبضتها، فاستدعت أحد الأشخاص الأكفاء لمهمة محددة أنجزها
لتكمل مسيرتها برؤيتها.
هذا الشخص أنجز ونجح فيما أوكل اليه وبدلا من أن تكافئه تلك الشركه بتمديد تعاقده قامت بالاستغناء عنه
بعد تحقيقه لإنجازات عديده .
ويرى أحد المتابعين للأمر أنه وجد زخما من الفوضى وعلاقات العمل المهترئة والملفات الآسنة والعمالة الزائدة
والاختراق الكامل، والاستهانة بقدامى الموظفين وإحباط الكفاءات، وإدارة المصالح بنظام الريموت
بالحرس القديم وجبر الخواطر وتسوية الحسابات لاقتناص الإدارة وعيش الكفاف من خدمات ضعيفة، بخلاف الصراع مع صغار المساهمين ورعاية إدارة الأمن للجميع، كما لو كان الهدف حفظ المرض لا تحقق الشفاء.
لكن هناك من عارض تلك السياسه الوظيفيه التى تتبعها ذلك الشخص وقال:
لا تنسَى فى مذبحة العمالة الزائدة وضم القطاعات وضغط المصروفات وتجميع الوظائف، وتغيير طريقة الإدارة وتقليص مقاولى الباطن، وتطوير الوصف الوظيفى لأغلب الوظائف وفرض الإدارة بالنتائج والتقارير وتحجيم إدارة الأمن
وقطع ريموت التدخلات الخارجية إلخ.
السؤال الذى يطرح نفسه هل الشركة فشلت فى تبصر نجاح المدير
وكان يلزمها تطويع مصالح جميع المساهمين بمن فيهم صغارهم، وتفعيل خطط التطوير
التى وصل لها المدير، ومنحه فرصة إكمالها بمزيد من النجاح للشركة
ثم تقرير الاستقلال بالمكاسب واستكمال رحلتها برؤية أكثر نجاحا؟
أم أن المدير فاته فى تطوير نموذج إدارته العلاجى المحترف، أن يمنح إيجابياته بالتنقيط،
لمجتمع يعرف النجاح بقبض الرواتب وحفظ المكاتب؟
المثال حول الشركة والمدير، نموذج يتكرر ويتداول فى أكثر من شكل وأى علاقة ثنائية
فالشركة قد تكون أعضاء جسم الإنسان والمدير هو من اختاره لقيادة هذا الجسم (لسانه، بطنه، عقله، أذنه، صفته فى الحياة)
قد تكون الشركة هى الحياة الزوجية والمدير الزوج أو الزوجة، قد يكون النادى والمدير من عينه مجلس الإدارة وهكذا.
القضية هى وعينا بعناصر منظومة الفشل والنجاح،
وتتبع تحقق علاماتها بداية من الإنسان ذاته لآخر المنظومة،
العبرة ليس بمن نجح أو فشل، ولكن بتوافر مجموعة عناصر أو مؤشرات تجعلنا نقيم دور أى علاقة أو كيان فى مسيرته للنجاح بأقل فشل، أو بفشل ناجح.
وبمراجعة مدى توفر مؤشرات المجتمعات الهشة على تجربة الشركة والمدير
سنجد أن عناصرها يمكن تطبيقها مع الفارق، على الأشخاص والجماعات والمؤسسات
بغض النظر عن الحجم أو الطبيعة. فالمؤشرات الاجتماعية والاقتصادية وبعض من السياسية
يمكن رؤيتها بنموذج الشركة وأيضا فى حالة المدير، مع اختلاف فارق الحجم والإمكانيات والموارد بينهما.
المحصلة أن هناك من الأعمال والمخططات التى يتضافر فيها ويتداخل، الإيمان بقضية، بالأداء الاحترافي، بالمصالح المتشابكة، بالأجندات الخفية، برؤى الاستغراق والإغراق، بتلبك الرؤى، بتفضيل أهل الثقة والطوع، بحرفية التجميل لا التأصيل، بمحدودية الإيجابيات، بالالتحاف بالخارج، بالاعتزاز بالقوة، بترويض المربوط، بالإدارة بالأزمات، بإدمان فرق تسد، بإدمان اختراع العجلة بزمن المونوريل، إلخ والمحصل قمة النجاح فى فشل المخطط الأصلي.
لم يكن الاستمرار يوما دليلا على النجاح، ولكن مجرد محاولة الإنسان أو الكيان رصد مؤشرات الفشل للاعتراف بها وتجنبها
يعد نجاحا بذاته. النجاح وسط فاشلين قمة الفشل، والفشل بين ناجحين هو فشل ناجح
لأنك تعلمت مؤشرات النجاح لاتباعها مستقبلا.
اسأل نفسك قبل أى جديد، هل أريد أن أنجح بلا فشل أم أفشل بنجاح؟
هل القادم سيسمح بتوزيع عادل للقوة البشرية، بموضوعية، فيجتذب العقول والإبداع
ويحقق نموا اقتصاديا متوازنا ويمنع من التدهور؟ ولن يدخل فى المنظومة إلا المؤهل
فتحترم حقوقه، ولا نحتاج للقوة لترويضه أو حماية القادم من الغصب؟
مجرد محاولة الإجابة ستخرجنا من الفشل بنجاح إلى النجاح بأقل قدر من الفشل، فلا نجاح مطلق أو فشل مطلق.