تاريخنا؟؟
إن تاريخنا أول مدونة للبشر.
لكنه وبسبب ما اصابه من التشويه والتزوير خلال القرنين الأخيرين من نهضة الغرب الحديثة.
هذا الغرب الصاعد حديثا من قاع مستنقع همجيته.
إنه بفضل وسائل الإتصال البالغة التطور فقد أخذ العالم اليوم يتقلص ويصغر.
وأصبح كل فرد في هذا العالم محط تأثير وتشكيل وسائل الإعلام الأقوى والأكثر حنكة.
وتطورا وجاذبية من النواحي النفسية والفكرية والسياسية.
وبذلك لا بد لنا من أن نعي جيدا طبيعة المرحلة التي تمر بها البشرية بتطورها الخاطف السريع.
فتتحرك بسرعة من أجل استثمار الزمن إلى حدوده القصوى.
إن عملية غسل الأدمغة التي مارسها المستعمرون تفرض علينا تكثيف كل الجهود.
من أجل إعادة كل الحقائق.
ونصحح ما دأب الخصوم على تزويره وترسيخه طيلة العقود الماضية.
إن عملية التزوير كانت بالدرجة الأولى فعلا سياسيا.
وإن عملية التصحيح هي في جوهرها من صميم الفعل السياسي.
إن العالم يشتد اقترابه وتقاربه.
والزمن الذي هو حركة التطور تزداد وتيرة سرعته.
وإن خرائط سياسية جديدة سوف تجد لها تجسيدا على أرض الواقع.
وإن كل خريطة سياسية سوف تبنى على أرضية التاريخ.
لما كان التاريخ في أبسط تعريف له{ سجلا لنشاط الإنسان المادي والروحي.
فإنه بالتالي العلم الموسوعي الشمولي الوحيد الذي تناول الإنسان سيرورة وصيرورة.
فعلا وانفعالا في الزمان والمكان وبكلمات أخرى إنه يتناول الإنسان المجتمعي في تطوره ضمن شروط وجوده الطبيعي وفي تطورها.
إنه الفكر والفن واللغة والاقتصاد والسياسة والدين والإنتاج وأدواته.
وإنه الطبيعة الجغرافية والمناخ في علاقتها المتبادلة الشمولية والجزئية.
وبغير هذا يصير التاريخ ضربا من الفرضيات أو التخمينات العاجزة عن تفسير كثير من الظواهر السكانية أو الحضارية
وهذا ما هو سائد اليوم في كل الكتب أو معظمها التي تؤرخ لشعبنا العربي انطلاقا من الواقع المتصحر لشبه جزيرة العرب.
وقد كانت أخصب بقعة على سطح الكوكب وأكثرها علاقة لوجود الإنسان والحيوان والنبات.
ولنشوء الحضارة ففي الشرق منها كانت جنة العرب الأولى قبل أن تغمرها مياه البحر وتشكل ما يعرف اليوم بالخليج العربي.
تجري من تحتها أنهار دجلة والفرات وبيشة لتصب جميعا في بحر العرب.
بعد أن غذته تلك المنطقة عبر عشرات الآلاف من السنين بطبقات لحقية وفرت لها درجة من الخصوبة لم تعرفها أية بقعة أخرى.
وكان يغطي منطقة صحراء الربع الخالي بحر من المياه العذبة ماتزال بقاياه قائمة حتى يومنا في أربع بحيرات متصلة جوفيا ضمن إحداها ٤٠٠ قدم.
وكان وادي بيشة الذي يتحد مع وادي الشرقية وتثليث ورنيا والثرات والدواسر يخترقها من الغرب إلى الشرق جنوب البصرة.
ثم يتابع سيره في منطقة الجنة ليصب أخيرا في بحر العرب.
جزيرة العرب الجغرافية والمناخية كانت مهدا للحضارة على هذا الكوكب.
والتي تمتد حدودها من ضفة الخليج الشرقية شرقا إلى البحر المتوسط غربا ومن البحر الأسود شمالا” البحر الأعلى” إلى بحر العرب جنوبا ” البحر الأدنى”.
ومنذ أن تأسست أول دولة مركزية في سورية القديمة.
وهي دولة ” سرجون الأكادي” في الألف السادس قبل الميلاد.
وحتى نهاية عهد الملكة السورية زنوبيا حافظت الدولة على هذه الحدود دونما.
أي تفريط أو تجزئته خلال مايقرب من ثلاثة آلاف عام.
▪ إن ذاكرتنا التاريخية ضعيفة جدا.
وقد استطاعت وسائل الإتصال وتطور التعليم في الغرب واستقطاب الدارسين العرب في جامعاتهم.
والمستشرقين الاستعماريين أن يغلقوا عقولنا على ما أرادوه لنا من ذاكرة لتأريخ مشوه.
وقد فرض علينا بأن تاريخنا العربي والإسلامي هو تاريخ التصحر والبداوة بعيدا عن المدنية والحضارة.
وقد كرثت مكتباتنا ومدارسنا وجامعاتنا هذا التأريخ المشوه ..؟؟
نعود لنقول ” إن تاريخنا هذا بفعل هذا كله يبدو كأنه لم يكتب بعد…
د. غسان صالح عبدالله