الدولة والفساد
بقلم أ. لمياء ادريس
اختارت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد للعام 2003 ألا تعرف الفساد تعريفاً فلسفياً أو وصفياً. بل انصرفت إلى تعريفه من خلال الإشارة إلى الحالات التي يترجم فيها الفساد إلى ممارسات فعلية على أرض الواقع، ومن ثم القيام بتجريم هذه الممارسات وهي:
– الرشوة بجميع وجوهها وفي القطاعين العام والخاص.
– والاختلاس بجميع وجوهه.
– والمتاجرة بالنقود.
– وإساءة استغلال الوظيفة.
– وتبييض الأموال.
– والثراء غير المشروع، وغيرها من أوجه الفساد الأخرى.
إذاً إن الفساد جريمة حقيقية يقوم بها المفسد بناءً على تفكير وحساب وتخطيط وتنفيذ، وعليه فهو من الجرائم التي تزيد التراكمات المادية غير الشرعية، والمخالفة للقوانين والمؤثرة تأثيراً سلبياً في بنية المجتمع واقتصاده.
والفساد عموماً
هو عكس الاستقامة والنزاهة والإيجابية والبناء والنظام والانضباط، وهو ممارسة وسلوك ذاتي لتغليب المنفعة الشخصية على المنفعة العامة، واستغلال المصلحة العامة لتحقيق المنافع الشخصية دون النظر إلى المنفعة العامة.
إن هذه التحديدات والتصانيف والنظرات لأنواع الفساد تكشف عن حدود جغرافيا انتشار الفساد في أي مجتمع وفي مختلف مؤسساته وهياكله الإدارية المؤسسية. وبالتالي يصبح الفساد موقفاً اجتماعياً إزاء سلم أولويات المجتمع الأخلاقية. ليدخل مظاهر ممارساته (الفساد) كجزء طبيعي في النسق الثقافي الاجتماعي.
في عالمنا العربي البائس
حتى كرة القدم لا يمكن استثناؤها من الفساد والعشوائية والارتجالية والمحسوبية وانعدام التخطيط. ولن ينتصر فيها العرب ما داموا قابعين في بحور الظلم وأمراض التخلف والتبعية والإقصاء والديكتاتورية القبلية وغير القبلية.فالعرب لن ينتصروا ولن يفوزوا بأي شيء حتى بكرة القدم، ما داموا عاجزين عن بناء دول القانون والعدل والمؤسسات.
الدول المعبرة عن الإرادت العامة
نقول هذا رغم كل ما يملكه العرب من ثروات ضخمة وإمكانات هائلة وقدرات ومواهب عظيمة، لكنها للأسف مشتتة وضائعة ومنهوبة لأنها تسيطر عليها نخب فاسدة وإدارات جاهلة تُغطّي فشلَها وعُقمها بالأكاذيب والدجل والولاءات العمياء .
ماذا أنتم فاعلون غداً، عندما يضيق العالم بساكنيه نتيجة نقص الموارد وتلاشيها، وتركيز الدول على الإنتاج الصناعي القائم على الإبداع العقلي، وليس على استثمار الموارد الخام فقط ؟
المدنية القادرة والعادلة والحيادية تجاه أفرادها ومجتمعاتها المتنوعة والمتعددة، وإنجاز مجمل مقتضياتها واستحقاقاتها الخاصة والعامة.ونحن نأمل أن يفعلوها إن استطاعوا بعد فشل غيرهم بأنه إذا ربح أحد التيارات الانتخابات في بلداننا العربية .فهذا ليس تفويضاً لهم لتقويض أو زعزعة أسس وأركان ونواظم الدول، وليس حقاً لهم لنسف جذور وبنية ومعاني ومقاصد وجوهر عمل .
هذه المؤسسات الدولتية الحديثة التي تشكل بنيان الدولة الحديثة.
فالسلطة والوصول إليها شيء، والدولة كمؤسسات وبنى وهياكل ثابتة شيء آخر. وهذا الوعي أو النزوع الذاتي النفعي المصلحي لدى المتنازعين على السلطة هو أمر مبرر سلمياً وديمقراطياً. طالما بقي في حدود وعلى جوانب وأطراف السجال السياسي والتدافع السياسي السلمي الحضاري. بالرغم من كونه نوعاً من التحكم السلطوي الذي هو مقدمة للاستبداد السياسي. نعم من حقهم التحكم والإشراف على السلطة العملية التنفيذية في مجالات عمل المؤسسات والأجهزة التنفيذية في الدولة، وليس بالتحكم في مجالات الحقل العام المعروفة والتي هي فضاء مدني عام مشترك بين جميع الناس وأفرقاء الساحة السياسية والاجتماعية. لأن معطيات ومعايير الحقل العام من “وجود الحريات الخاصة والعامة (الفكرية والعقائدية والسياسية وغيرها) وحق القول والتعبير عن الرأي والمعتقد، وحق التنظيم والتظاهر والتجمهر السلمي القانوني، وحق المساوة بين الجنسين والمساواة بين الناس، وحق تكافؤ الفرص على قاعدة المواطنة على مستوى الحقوق والواجبات الخ هذه ثوابت دستورية قانونية تكفلها الشرائع كلها.ولابد من إيجاد ضمانات فعالة عملية لتنفيذها وتقعيدها عملياً. وهي ليست من اختصاص وعمل تيارات وجماعات الحكم السياسي والمتصارعين عليه من هذا الفريق أو ذاك. وبالتالي ليس من حق أحد التلاعب بها أو الانتقاص من أهميتها وقدرها بأي شكل من الأشكال وتحت أي ظرف من الظروف. هذا هو مجال الحقل العام، وهو أحد أهم تعبيرات معنى الدولة الثابتة، التي هي غير السلطة المتغيرة التي يدخل المعبرون عنها في سجال وصراع سياسي لخدمة هذا الحقل وتطويره أكثر من خدمة المواطن والحق العام والصالح العام.