حوارات
تساؤلات عن صحيح التصوف
اجرى الحوار/ محب مصطفى كامل
يجيب عنها الداعية والكاتب الإسلامي أبوالحسن الأمير
عن الطريق إلى الله والصحيح في التصوف ولماذا يختلف المسلمون حوله كان لنا هذا اللقاء مع الداعية والكاتب الإسلامي أبوالحسن الأمير مؤلف كتاب (صحيح التصوف) وتوجهنا إلى فضيلته بهذه التساؤلات :
سألنا عن : يعترض الكثيرون على التصوف بقولهم : إذا كان التصوف من منهج الإسلام فلماذا لم تذكر كلمة تصوف أو صوفية في عهد النبي وأصحابه ؟
فأجاب قائلا : يجب أولا أن نفرق بين شيئين هما التصوف والصوفية ، فالتصوف هو المنهج أما الصوفية فهم المنتسبون إلى التصوف ومن يسيرون على هذا المنهج ، فإن كانوا على صحيح المنهح فهم أهل التصوف بحق ، وإن كانوا على خلاف المنهج فهم كاذبون مدعون ، وقد فصلت لذلك في كتاب (تصفية الصوفية) ، وهؤلاء هم من شوهوا التصوف عند من لا يعلمه ، تماما كما شوه الإرهابيون الإسلام عند من لا يعرف حقيقته .والتصوف كمنهج هو المقصود بتزكية النفس بمجاهدتها من أجل تحقيق إخلاص الدين لله عملا بقوله تعالى : ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ) .
والتزكية هي أهم ما أمر الله به عباده ، ولأهميتها أقسم الله أطول قسم في كتابه في سورة الشمس ليخبرنا عن تزكية النفس بقوله ( قد أفلح من زكاها ) .
– سؤال : نعم التزكية لا خلاف عليها ، ولكن التصوف ليس له ذكر في سيرة النبي وأصحابه ؟
– الجواب : منهج التزكية القائم على مجاهدة النفس بمراقبة الله في الأعمال هو ما سمي بعد ذلك بالتصوف ولذلك قصة:
بعد انتهاء عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم ، أصبحت الخلافة ملك كملك كسرى وقيصر وقلد الخلفاء ملوك الفرس والروم فيما كانوا عليه من حب الدنيا وزينتها ونسوا ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام من زهد وورع وإقبال على الله بالطاعات ، وقلد الأغنياء والعامة في ذلك الخلفاء ، وفي هذه الأثناء قام عدد من الصالحين يدعون الناس إلى العودة إلى ما كان عليه النبي واصحابه من زهد وورع وإقبال على الله بالطاعات ، وتصادف أن أغلب ثياب هؤلاء كانت من الصوف وهو من أرخص الثياب آنذاك ، فأصبح الناس يطلقون عليهم اسم المتصوفة وهو اسم يطلق على من يلبس الصوف ، كما يوصف الرجل بالمتعمم إذا لبس العمامة أو بالمتقمص إذا لبس القميص .
واستمرت دعوة هؤلاء الأبرار ولاقت قبولا واسعا كدعوة إلى الله واهتدى بهم خلق كثير ومر الزمان ولم يعد الصوف ملبسهم ولكن التسمية ظلت ملازمة لهم ، ولم يعترضوا هم على التسمية وأصبح لفظ المتصوف يطلق على كل من سلك منهج الزهد والإجتهاد في الإقبال على الله بالإكثار من النوافل والطاعات وجهاد نفسه من أجل تزكيتها وهو في الأصل منهج النبي والكثير من الأحاديث النبوية والقدسية بل والآيات القرانية تؤكد ذلك وكان الصحب الكرام يسمون مجاهدة النفس بالجهاد الأكبر .
– سألنا : ألا تعتبر تسميتهم بالصوفية مخالف لما كان عليه المسلمون ؟
– الإجابة : في ديننا لا توجد أي مشكلة في الأسماء ، وعلماؤنا دائما يرون أنه ( لا مشاحة في الإصطلاح) أي أن المصطلحات والأسماء لا تحرم ، وإنما يكون الحكم على الأعمال ، ولنا في ذلك أمثلة كثيرة مثل تسمية أهل العلم بالفقهاء ومنهجهم بالمذهب الفقهي، وهذه الأسماء لم تكن موجودة في عهد النبي وصحبه .
أي أن التصوف مثله كالفقه كان منهجه موجودا في زمن النبي صلى الله علي وسلم وصحبه الكرام ولكن التسمية جاءت فيما بعد .
– سؤال : إذن كيف يمكننا معرفة أهل الصدق في الصوفية ؟
– الجواب : مقياس الصحيح في التصوف هو الفقه ، فكل مسائل التصوف مرجعها إلى الفقه ، فما كان موافقا للكتاب والسنة كان تصوفا صحيحا وما كان مخالفا لهما كان باطلا وليس بتصوف ، وكاذب كل من يدعي أن التصوف لا علاقة له بالشريعة ، فلا يقول ذلك إلا منافق .
– سؤال : ماذا تعني هذه المصطلحات التي يرددها أهل التصوف : الشريعة – الطريقة – الحقيقة ؟
– الجواب : الشريعة هي أصل الدين وما جاء في الكتاب والسنة وما يقوم عليه من أعمال .
أما الطريقة فهي الكيفية التي بها يتدرب المريد على أن يقصد ربه بأعمال الشريعة (وهي الطريقة الصوفية)
أما الحقيقة فهي الوصول إلى تحقيق قصد الله بأعمال الشريعة (كأنك تراه ) ويطلق عليها منزلة الإحسان وهي أعلى مراتب الدين (وهي المقصود بالتصوف)
أي أن الطريقة الصوفية ليست هي التصوف وإنما هي التي تصل بالمريد من الشريعة إلى التصوف(تحقيق منزلة الإحسان) ، فإن كانت الطريقة على منهج صحيح وصلت بالمريد إلى تحقيق التصوف وإلا فلا يصل المريد بها إلى شيئ .
– سؤال : وماذا يقصد بأهل الله في التصوف ؟
– الجواب : أهل الله مصطلح يقصد به من وصلوا إلى محبة الله ورضوانه بمجاهدة أنفسهم بإجبارها على الصبر على ما تكرهه النفس من الطاعات والعبادات لأنها الموصلة إلى مرضاة الله والجنة ، وبمجاهدتها أيضا على ترك ما تحبه النفس من المعاصي والإسراف في الإقبال على الشهوات لأنها سبب البعد عن الله ودخول النار ، وهؤلاء هم الأولياء .
– سؤال : من هم المجاذيب ؟ وما الفرق بينهم وبين المجانين؟
– الجواب: المجاذيب كالمجانين في ظاهرهم ولكن من يعرفهم عن قرب يجد أنهم يختلفون اختلافا كبيرا عن المجانين في أسباب ذهاب عقولهم و أحوالهم وأسرارهم ، يقول عنهم أهل التصوف (مجانين إلا أن سر جنونهم عزيز عنه يعجز العقل) أي يعجز العقلاء عن فهم أحوالهم ، ويجب على المسلم أن يعذرهم ولا يقلدهم ولا يعتقد فيهم بنفع أو ضر وأن يحذر منهم لأنهم لا عقل لهم .
– وفي نهاية الحوار أتوجه إلى فضيلتكم بكل الشكر وإن شاء الله تعالى نتشرف بكم في الرد على تساؤلات اخرى يختلف الكثيرون حولها
وأسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعا إلى طاعته ومرضاته .