أمهات الخير
أمهات الخير
—————————–
بقلم/الداعية الإسلامي : أبوالحسن الأمير
في أيام الخير يفلح كل مقدم على أمهات الخير من الأعمال ، وهن امور سبعة ، أربعة منها في ظاهر سلوك العبد ، وثلاثة في باطنه .
فأما الظاهر منها فلقد أخبر عنه أهل التزكية بقولهم :
بيت الولاية قسمت أركانه
ساداتنا فيه من الأبدال
ما بين صمت واعتزال دائما
والجوع والسهر النزيه العال
أي الاقلال من ( الكلام والأنام والطعام والمنام).
– أولا : الصمت :
وهو أن يلزم العبد نفسه الصمت عن كل ما لا خير فيه من الكلام ، عملا بقوله تعالى : (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ) – الآية 114 النساء .
وأن يكون كلامه ذكر لله وما فيه خير للناس فقط ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ) – متفق عليه .
وحتى يأمن من الوقوع في الإثم أيضا ، فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ..وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ) – رواه الترمذي .
– ثانيا : العزلة :
وهي تجنب الناس إلا في ما هو واجب أو ضرورة ، والضابط في ذلك أن يخالط الناس في عموم الخير كالجمع والجماعات والأعياد والحج وتعلم العلم والجهاد والنصيحة وأداء واجب الأهل والولد والرحم ، وما تقوم عليه المعايش من مهنة أو حرفة . ويعتزلهم في الشر وفضول المباحات .
أي كلما وجد فراغا يفر إلى ربه خاليا به ، قال تعالى : (فإذا فرغت فانصب ) -الآية 7 الشرح.
محققا بذلك قوله صلى الله عليه وسلم : (..ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه)- متفق عليه .
فيجعل له وردا من الإستغفار والصلاة على النبي بقدر الإستطاعة وما يستطيعه من قراءة القرآن ، وقول لا إله إلا الله ، وما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من أذكار .
– ثالثا : الجوع :
ويقصد به الإكثار من صوم النافلة ، فهو الوجاء والوقاية للعبد ومضيق على مجرى الشيطان الذي يجري من ابن آدم كمجرى الدم من العروق ، ويجب تقليل الطعام بقدر الحاجة فلا يجاوز ثلث بطنه كما أوصى بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفيه النفع للعبد ، وجاء في ذلك:
أقلل طعامك ما استطعت فإنه
نفع الجسوم وصحة الأبدان
لا تكثرن من الطعام تسمنا
فجسوم أهل الله غير سمان
ويتبع ذلك الإقلال وعدم الإسراف في الشهوات التي أحلها الله ، والتوسط في ذلك هو تحقيق العفة ، أي دونما حرمان أو إسراف ، وفي ذلك العون لمن أراد الإقبال على الله تعالى .
– رابعا : السهر :
وبه يكون قيام الليل وكثرة الذكر والتدبر ، قال تعالى : (كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون) – الآية 17 ، 18 الذاريات .
وقال صلى الله عليه وسلم : (شرف المؤمن قيام الليل) – رواه الحاكم في المستدرك .
وفيه الأسوة به صلى الله عليه وسلم فقد كان يقوم الليل حتى تفطرت قدماه ، وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، قال تعالى : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا) – الآية 21 الأحزاب .
– أعمال القلب أو الباطن :
وهي من الأمور الخفية ( مجاهدات) وهن ثلاثة أمور:
– أولها : الصدق :
وهو الإجتهاد في تحقيق صدق التوجه إلى الله بالأعمال وتجنب الرياء والكبر والتعلق بزينة الدنيا وغير ذلك من أمراض القلوب .
– وثانيها : التوكل :
وهو الثقة في عون الله تعالى وأن الله لن يخذل من أراد وجهه بالعمل .
– وثالثها : الصبر :
ولن يفلح العبد في تحقيق كل ما سبق إلا بمجاهدة نفسه على الصبر ، وهو التجلد على تحمل ما تكرهه النفس ويحبه الله ، فلقد حفت الجنة بالمكاره كما أخبر بذلك صلى الله عليه وسلم .
وبذلك يصبح العبد متعرضا لنفحات ربه توشك أن تدركه.