وسائل العلم اللدني وكيف يعلم الله أولياءه
وسائل العلم اللدني وكيف يعلم الله أولياءه .
————————————-
بقلم/الداعية والكاتب الإسلامي : أبوالحسن الأمير
لا وحي بعد خاتم الأنبياء وسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ، فكيف يعلم الله أولياءه وخاصته والعارفين من عباده كما جاء في قوله تعالى : ( آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما ) – الآية 65 الكهف .
ورد في كتاب الله وسنة حبيه صلى الله عليه وسلم ثلاث وسائل يتلقى بها أهل الله وخاصته ما شاء الله أن يعلمهم إياه من أسراره وحكمه وأولها الرؤيا الصالحة ، وثانيها الإلهام أو الخواطر القلبية ، وثالثها مشاهدات اليقظة ، وتفصيل ذلك :
– أولا : الرؤيا الصالحة :
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لم يبق من النبوة إلا المبشرات ، قالوا وما المبشرات ؟ قال : الرؤيا الصالحة ) – رواه البخاري .
وعنه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزء من النبوة ) – متفق عليه .
فيري الله عبده المؤمن ما يحب أن يعلمه إياه ، وربما يكون ما يراه العبد في منامه فوق طاقة عقله ، ولكن الله يثبت به فؤاده فيجد نفسه مطمئنا مصدقا واثقا في رحمة ربه سبحانه.
ثانيا : الإلهام :
وهو الوحي القلبي والخاطر الذي يرد على قلب المؤمن ، فيجد العبد الصالح إطمئنانا وتصديقا دونما برهان عقلي ، وهو ما يطلق عليه بعض العلماء (الحدس) أي الفكرة المفاجئة .
– أنواع الخوطر ( الواردات ) :
فليس كل وارد على القلب يكون إلهاما من الله ، فالواردات منها :
– الوارد النفساني : وينتج عن هوى النفس وإرادتها للشهوات ، وهذا خاطر مذموم على العبد أن يجاهده .
– الوارد الشيطاني : وينتج عن وساوس الشيطان لإيقاع العبد في المعصية بكل أنواعها ، ويكون عند العامة بتزيين المعصية ، قال تعالى : ( وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون ) -الآية 43 الأنعام .
ويكون الوارد الشيطاني للخاصة من أهل الله بتلبيس الحق باطلا والباطل حق ، لينحرف بالعبد عن طريق ربه وهو يظن أنه يحسن صنعا ، وقد ألف الإمام إبن الجوزي رحمه الله في ذلك كتابا رائعا يحتاجه كل مسلم ، بعنوان ( تلبيس إبليس ) .
– الوارد الرحماني : ويكون بإلهام الله للعبد الصالح ما يريد أن يعلمه إياه دون غيره من العباد ، ويتميز عن غيره من الواردات بموافقته للكتاب والسنة ، ( لذلك على من أراد الصدق مع ربه أن يكون فقيها بدينه أو ملازما للعلماء ) ، وهو الوسيلة الثانية من وسائل العلم اللدني.
– ثالثا : مشاهدات اليقظة :
وذلك بأن يري الله عبده الصالح أو يسمعه في يقظته ما لا يستطيع غيره مشاهدته أو سماعه ، كما جاء في قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وسارية بن حصن ، مصداقا لما ورد في الحديث القدسي ( فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ) – صحيح البخاري .
– رؤية الملائكة في اليقظة :
ومن مشاهدات اليقظة أن يرى العبد الصالح الملائكة قي صورة بشر أثناء يقظته فتحدثه بأمر من الله بما فيه خيره وتخبره بما شاء الله له أن يعلمه ، والأدلة في ذلك كثيرة من الكتاب والسنة ، فقد أرسل الله جبريل عليه السلام إلى السيدة مريم عليها السلام وكلمها في صورة بشر ، وهي ليست من الملائكة ، قال تعالى : ( فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا ) – الآية 17 مريم .
وخاطبت الملائكة السيدة مريم عليها السلام ، قال تعالى : ( وإذ قالت الملائكة يامريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين ) – الآية 42 آل عمران.
وقد رأى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام في صورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يظهر عليه أثر السفر ولا يعرفونه حتى أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه جبريل قد أتاهم ليعلمهم أمور دينهم ، ( أخرجه مسلم من حديث عمر بن الخطاب).
وقد يرسل الله إلى الرجل الصالح ملكا في صورة بشر يكلمه ، كما جاء في صحيح مسلم – أن رجلا زار أخا له في قرية أخرى ، فأرصد الله على مدرجته ملكا ، فلما أتى عليه قال : أين تريد ؟ قال :أريد أخا لي في هذه القرية ، قال : هل لك عليه من نعمة تربها ؟ قال : لا غير أني أحبه في الله عز وجل ، قال : فإني رسول الله إليك بأن الله أحبك كما أحببته .
بل أن رؤية الملائكة في اليقظة في صورة بشر قد تحدث للصالحين وغير الصالحين كما جاء في حديث الأبرص والأقرع والأعمى ، أن الله قد أرسل أليهم ملكا ليختبرهم – رواه البخاري ومسلم .
أي أن رؤية الملائكة في اليقظة في صورة بشر ثابتة في الكتاب والسنة لغير الأنبياء .
أي أن الله قد يرسل الملائكة إلى عباده الصالحين لتخبرهم بما شاء أن يعلموه من فيض علمه وأسراره .
– هل يقوم على العلم اللدني تشريع ؟
لا يترتب على العلم اللدني تشريع ، وكاذب من يدعي ذلك ، فقد انتهى التشريع واكتمل الدين وانقطع وحي النبوة ، ولكن الله يعلم أولياءه ما شاء من علم فيه نفعهم أو نفع غيرهم ، وذلك إكراما من الله لهم .