مقالات
لِمَ الارتدادُ ؟ .
بقلم الدكتور عمران صبره الجازوي
طالعتنا وسائلُ الإعلامِ منذُ أيامٍ قلائلَ بأنَّ ثمةّ شخصاً قد ارتدَ عن ديننا الإسلامِ ، ودخلَ الآخرُ في النصرانيةِ ، وآخرَ قدْ تحوَّلَ إلى اليهوديةِ ، ولا يوجدُ دينٌ على وجهِ الأرضِ – سماوياً كانَ أو وضعياً – أعلى من قيمةِ الإنسانِ ، وأشبعَ احتياجاته ورغباته ، ووضعَ له منهجَ حياةٍ كاملاً ينظِّمُ علاقته بربه أولاً ، ثم علاقته بالناسِ ثانياً ، ثم علاقته بنفسهِ ثالثاً مثلما فعلَ الإسلامُ مع أتباعه فَلِمَ الارتدادُ عنه ؟
وللإجابةِ عن هذا السؤالِ أقولُ :
ثمةَ أسبابٌ تقفُ وراءَ هذه الظاهرةِ – تلكَ الظاهرةُ التي لا تعدو أن تكونَ انتكاساً للفطرةِ الإنسانيةِ ، وظلماً للنفسِ البشريةِ بوضعِ الألوهيةَ في غير موضعها – من أهمها ما يلي :
1- سوءُ التنشئةِ ، فالإيمانُ أصلٌ ، والكفرُ عارضٌ عليه ، ولكنَّ بذرةَ الإيمانِ إن لم يتعاهدها الوالدانِ بالرعايةِ والعنايةِ فسدتْ ، وخاصةً إذا كنَّا الآنَ في بحرٍ لُجِّي تتقاذفنا فيه أمواجُ فتنةِ الشبهاتِ من ناحيةٍ ، وفتنةِ الشهواتِ من ناحيةٍ أخرى .
2- ضعفُ الإيمانِ في قلوبهم ، وخبوتُ جذوته في نفوسهم ، ومن ثمَّ تسلُّطُ الشيطانِ عليهم الذي ما إن دعاهم حتى استجابوا له ، فأوقعهم في الغفلةِ ثاني اثنين يؤديانِ إلى الكفرِ – والعياذُ باللهِ – بالإضافةِ إلى تقليدِ الآباءِ دونما دليلٍ . قال تعالى : { وإذ أخذَ ربك من بني آدمَ من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألستُ بربكم قالوا بلى أن تقولوا يومَ القيامةِ إنِّا كُنَّا عن هذا غافلين * أو تقولوا إنما أشركَ آباؤنا من قبلُ وكنَّا ذريةً من بعدهم أفتهلكنا بما فعلَ المبطلونَ } سورة الأعراف الآيات 172-173
3- الانشغالُ بالدنيا ، وجعلها في القلوبِ لا في الأيدي حتى غرَّتهم ، فلم يعيروا لدينهم اهتماماً ، وأصبحتْ العباداتُ – عندهم – لا جدوى منها ، فلم تعدْ الصلاةُ منهاةً عن الفحشاءِ والمنكرِ ، ولم يعدْ الصومُ جُنَّةً ، ولا الزكاةُ مطهرةً ؛ لافتقادِ الصلاةِ للخشوعِ ، والصومِ والزكاةِ للإخلاصِ ، فلم تؤتِ العباداتُ أكلها ، ولا الثمرةَ المرجوةَ من إتيانها ، فأصبحتْ قلوبهم تربةً خصبةً لغرسِ بذورِ الكفرِ ، وشتلاتِ الإلحادِ .
4- انتشارُ المدِّ العلماني الذي له كبيرُ أثرٍ في انتشارِ الفلسفاتِ الإلحاديةِ ، والمبادئِ الهدَّامةِ ، إذ بحصره للدينَ في طقوسٍ معينةٍ لا تتجاوزُ عتبةَ المسجدِ جعلَ الناسَ تفتقدُ إلى نورِ الإسلامِ في حياتها ، وأصبحوا كحاطبِ ليلٍ لا يميِّزونَ بينَ صحيحٍ و سقيمٍ ، أو غثٍّ وسمينٍ ، وتخبّطوا في ظلماتِ الضلالِ والإلحادِ .
5- تقليدُ الغربِ في محاولةِ التحررِ من ربقةِ التكاليفِ الشرعيةِ ، خاصةً وأنَّ نفوسهم قدْ أصبحتْ أمَّارةً بالسوءِ ، لا تأتمرُ بمعروفٍ ، ولا تنتهي عن منكرٍ .
6- افتقادُ القدوةِ ، فخطباؤنا ووعَّاظنا – إلا من رحمَ ربك – غلبتْ عليهم شقوتهم ، وانتفى عندهم اقترانُ النظرِ بالتطبيقِ ، يأمرون بالمعروفِ ولا يأتونه ، وينهونَ عن المنكرِ ويقارفونه ، فاُفتقدتْ فيهم الثقةَ ، وأصبحوا بلسانِ حالهم يرغِّبونَ الناسَ عن الإسلامِ بدلاً من ترغيبهم فيه .
7- تقصيرُ الإعلامِ ، وعدمِ قيامه برسالته التي نيطتْ بعنقه ، فلم يعدْ يهتمّْ بعظائمِ الأمورِ بل اقتصرَ على سفاسفها ، وأمورٍ لا تغني ولا تسمنُ من جوعٍ ، كما لم يفسحْ المجالَ للعلماءِ الثقاتِ حتى يبصِّروا الناسَ بأمورِ دينهم ، ويذيبوا بشموسِ علمهم جليدَ الشبهاتِ التي تُلبِّسُ على الناسِ أمرَ دينهم .
هذه هي أهمُّ الأسبابِ – من وجهةِ نظري المتواضعةِ – ، والتي إن لم نتداركها آذنَ ذلك بشرٍّ مستطيرٍ ، وسرتْ عدوى الارتدادِ في أجيالنا أولئك الذينَ لا حظَّ لهم – للأسفِ الشديدِ – من ثقافةٍ ، ولا خلاقَ لهم في تدينٍ .
تعليق واحد
أعجبني
تعليق